عندما تحوِّلُ الحسابات السياسية وِجهةَ الخطاب النسوي،و تهمّش القضية...
في رسْكلة بذيئة لسياسة الحزب الحاكم السابق، يواصل أصحاب الحسابات السياسية
الضيقة،
تسخير قضايا حقوق النساء لاستعمالها كسلاح ضد المشروع الشمولي الذي تبشر به
الأغلبية الحاكمة الحاليّة.
و مرة أخرى، وبكل وقاحة، يتشدّق من هبّ و دبّ ممن يدعون الحداثة كذبا و بهتانا
بحقوق النساء لمجرد مناهضتهم لهذا المشروع الرجعي!
عن أية حقوق للنساء يتحدث من لم يجد لإهانة خصومه السياسيين أنجع من
مقارنتهم و تشبيههم بالنساء*؟؟
عن أية حقوق للنساء يتحدث من يعتبر الأنوثة عارا و شتيمة؟؟
عن أية حقوق للنساء يتحدث من يرفع شعارات من نوع: " المرأة التونسية ليست
أمينة*، و لا محرزية*"!!!!! ألا يكفي وجود أمينة، و وجود محرزية، و آلاف و ملايين
النساء بعقائد مختلفة، و أفكار مختلفة، و طرق عيش مختلفة، لكسر ذلك القالب الأجوف، ذلك الزي الموحّد الذي لا يستوعب
تنوع البشرية، في عقول مريضة لا تفقه شيئا من أبجديات الحرية؟
و إن لم نلبس زيهم الموحد هذا، ماذا تراهم فاعلون؟ أيسقطون الأنوثة عنّا،
أم يسقطون الجنسيّة؟
ألا يكفي وجودهن، ليفهم الأغبياء أن لا وجود للمرأة التونسية !
و أنّ النساء جمع إن فرّدته قتلت فيه الانسانية؟
ألا يكفي وجودهن، لتعيش النساء، كل النساء، و لتموت في أذهان المنافقين
أسطورة إسمها المرأة التونسية!
في هذه الأمثلة و في أخرى سيطول ذكرها،
يفضح انتهازيّو حقوق النساء مدى ذكورية فكرهم، مدى عدم إيمانهم بمساواة فعلية
بين الجنسين، بينما يحاولون إيهامنا بأنهم حلفاؤنا ضد الرجعية و التعصّب!
وجب على الحراك النسوي التونسي اليوم أن يمنع انتهازيي حقوق النساء،
من تطويع و تحويل وجهة خطابه.
من البديهي أن ما نطرحه على أنفسنا يستوجب نظرة تحليلية
و قراءة في الخطاب النسوي التونسي الحاليّ، مهمة لا يدعي هذا المقال
الغاضب القيام بها، كما أنه لا يدّعي اقتراح الخطاب البديل.
هو فقط يبحث في سبل ضمان تميّزهذا الخطاب و بروزه على ساحة سياسية
غمرتها ضوضاء المزايدات.
خطاب نسوي يستعصي على راكبي حقوق النساء...
لا مجال للقطع مع انتهازيي حقوق النساء، إلا ببناء خطاب نسوي يستعصي
على بذاءتهم، يتجاوز مرجعياتهم، يضعهم نصب تناقضاتهم!
خطاب كهذا، لا يمكن إلا أن يكون خطابا ثوريا لا يعرف التنازلات،
لا يترك مجالا للثغرات، لا يؤمن بما يطرحونه من أولويات، و هل يخفي علينا،
موقع المساواة بين الجنسين و موقع حقوق النساء من الأولويات؟
خطاب كهذا، لا يمكن إلا أن يكون خطابا ثوريا يقطع مع مصطلحات الخوف و التوجس
على المكتسبات ليحمل معاني المقاومة من أجل فرض المساواة!
عن أي خوف و أي توجس نتحدث، مع من لم يخف على صدره العاري من الرّصاص؟
عن أي خوف نتحدث في بلد "لا خوف بعد اليوم" ؟
عن أية مكتسبات نتحدث مع من لا مكتسبات لهم؟
ما تعني المكتسبات لشباب مفقّر مهمّش محقّر عاطل عن العمل؟
ما تعني المكتسبات لمن كانوا، و لا زالوا، وقود ثورة لا زالت مستمرة؟
بل إن خطاب الرجعيين أعداء الحرية، كارهي ما تحصلت عليه النساء من حقوق
منذ استقلال لا يعترفون به، رافضي الدولة التونسية الحديثة، حاملي المشروع الشمولي،
يكاد أن يكون أقرب لتطلعات جماهير سئمت تهميشا دام نصف قرن!
أقرب لتطلعات جماهير سئمت المنظومة السابقة و لا تتوق لغير القطع معها!
المقصود هنا، ليس خطابا متهورا، لا يعي مدى خطورة التهديدات
التي تحوم حول حقوق النساء و يستغني في معركته عن كل الحلفاء
بحجة أنهم لا يؤمنون بالمساواة. المقصود، خطاب يتصدى لهذه التهديدات
التي تتربص بمجتمع بأسره، خطاب يبحث عن حلفائه خارج الأطر السياسوية الضيقة.
أيّ حلفاء للحراك النسوي التونسي اليوم؟
حلفاؤه ملايين التونسيين و التونسيات، التائقين لمشروع مجتمعي بديل، الحالمين بتنمية فعلية و عادلة،
ملايين لن ينخرطوا في الدفاع عن حقوق النساء، إن لم يبين لهم الحراك النسوي
في خطابه، الترابط العضوي، بين التفقير الممنهج للنساء برغم خصوصياته من جهة وتفقير المجتمع من جهة أخرى،
بين الرقابة على النساء و على أجسادهن و مصائرهن من جهة
و على المجتمع بغاية تدجينه و منعه من صنع القرار من جهة أخرى،
الترابط العضوي بين العنف المسلط على النساء بهدف تحقيرهن و تهميشهن
و العنف المسلط علي كل المحقرين و كل المهمشين.
سينخرط الملايين في الدفاع عن حقوق النساء، لو بيّن لهم الحراك النسوي،
أن لا تنمية عادلة ولا ديمقراطية بدون مساواة فعلية بين الجنسين،
و أن لا حرية لمجتمع نساءه مقصيات، و أنّ النظام الأبوي الذكوري، و إن سلّط جام تغوّله و تمييزه على النساء،
فهو يهضم حقوق النساء والرجال، نظام يهضم حقوق مجتمع بأسره،
نظام وجب إسقاطه!
و أخيرا، لا مجال لمسار ثوري ناجح لا تُوحّد فيه النضالات،
أو كما قرأنا في جداريات الثورة و سمعنا في صرخات الثائرين:
" يا نعيشوا عيشة فلّ، يا نموتوا النّاس الكلّ!"
مستمرّة... و نسوية أو لن تكون!
نادية بن صالح
*تشبيه مصطفى بن جعفر، رئيس المجلس التأسيسي لتحالفه مع الإسلاميين و لضعف مواقفه السياسية بالمرأة من قبل الصفحات
و المواقع الاجتماعية المناهضة للإسلاميين.
*أمينة، إحدى المنتميات لمجموعة فيمين، و محرزية لعبيدي نائبة عن حزب النهضة الإسلامي.